الفصل الثـالث: موقف الأمـة من المبتدعـة ومنهج أهل السنة والجماعـة في الـرد عليهم
موقف أهل السنة والجماعـة من المبتدعـة:
مازال أهل السنة والجماعـة يردون على المبتدعـة وينكرون عليهم بدعهم ويمنعونهم من مزاولتها وإليك نماذج ذلك:
عن أم الدرداء -رضي الله عنهما- قالت: دخل عليّ أبو الدرداء مغضبا، فقلت له: مالك؟ قال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمـر محمد إلّا أنهم يصلون جميعـاً. رواه البخاري.
عن عمر بن يحى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب بن مسعود قبل صلاة الغـداة، فإذا خرج مشينا معـه إلى المسجـد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، جلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليـه جميعًا، فقال: يا أبا عبد الرحمن إأني رأيت في المسجـد آنفًا أمراً أنكرتـه، ولم أر والحمـد لله إلّا خيرًا، قال: وما هو؟ قال: إن عشت فستواه، قال: رأيت في المسجـد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقـة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مئـة، فيكبرون مئـة، فيقول: هللوا مئـة، فيهللون مئـة، فيقول: سبحوا مئـة، فيسبحون مئـة، قال: فماذا قلت لهم؟ فقال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعـد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن من أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمـة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابـه متوافرون، وهذه ثيابـه ولم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملّـة هي أهدى من ملّـة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالـة، قالوا: والله يا أبا عبد الله ما أردنا إلّا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا عن أن قومـا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله لا أدرى لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلـمة: رأينا عامـة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج. رواه الدارمي.
جاء رجل إلى الإمام مالك -رحمه الله- فقال: من أين أحرم؟ فقال: من الميقات الذي وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحرم منه، فقال: فإن أحرمـت من أبـعد منه؟ فقال مالك: لا أرى ذلك، فقال: ما تكره ذلك؟ قال: أكره عليك الفتنـة، قال: وأيّ فتنـة في ازدياد الخير؟ فقال مالك: فإن الله تعالى يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عـذاب أليم) [النور: 63].
وأي فتنـة أعظم من أنك خصصت بفضل لم يخص به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ذكر أبو شامة في كتاب: الباعث على انكار البدع والحوادث نقلا عن أبي بكر الخلال (ص 14)"، هذا نموذج ولا زال العلما ينكرون على المبتدعـة في كل عصر والحمد لله. 2. منهج أهل السنـة والجماعـة في الرد على أهل البدع: منهجهم في ذلك مبني على الكتاب والسُنّـة وهو المنهج المقنع المفحم الذي يوردون شبه المبتدعـة وينقضونها، ويستدلون بالكتاب والسُنّـة على وجوب التمسك بالسُنن والنهي عن البدع والمحدثات، وقد ألفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك، وردوا في كتب العقائـدعلى الشيعـة والخـوارج والجهميّـة والمعتزلـة والأشاعـرة في مقالاتهم المبتدعـة في أصول الإيمان والعقيـدة، وألّفوا كتبا خـاصة في ذلك، كما ألّف الإمام أحمد كتاب الرد على الجهميّـة، وألّف غيره من الإئمـة في ذلك كعثمان بن سعيد الدارمي، وكما في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من الرد على تلك الفرق وعلى القبوريـة والصوفيّـة، وأمّا الكتب الخاصـة في الرد على أهل البـدع فهي كثيرة منها على سبيل المثال من الكتب القديمـة:
كتاب الإعتصـام للشاطبي.
كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد استغرق الرد على المبتدعـة جزءًا كبيرًا منـه.
كتاب انكار الحوادث والبدع لابن وضّاح.
كتاب الحوادث والبـدع للطرطوشي.
كتاب البـاعث على انكار البدع والحـوادث لأبي شـامة.
ومن الكتب العصريـة:
كتاب الإبـداع في مضـار الابتداع للشيخ علي محفوظ.
كتاب السُنن والمبتدعـات المتعلقـة بالأذكار والصلوات للشيخ محمد بن أحمد الشقيري الحوامدي.
رسالـة التحذير من البـدع للشيخ عبد العزيز بن باز.
ولا يزال علماء المسلمين -والحمد لله- ينكرون البـدع ويردون على المبتدعـة من خلال الصحف والمجلات والإذاعات وخطب الجمع والندوات والمحاظرات مما له كبير الأثر في توعيـة المسلمين والقضاء على البـدع وقمع المبتدعين